موسوعة جبران خليل جبران المعربة
اضطلع جبران برسالة اجتماعية إصلاحية غايتها بناء مجتمع مسالم تسوده العدالة والحب، فحمل بكلتا يديه مطرقة الهدم وراح يحطم كل ما واجهه دون رحمة ومهادنة، يحمله الحماس ويطير به الأمل. عمل على جعل الحب دينه وأسمى غاياته، ولم يلتفت إلى ما سوف يؤول إليه هذا الحماس المفرط من تشقق المجتمع وتفكك عراه، كما حصل في الغرب ويحصل الآن في مجتمعاتنا، فأدى ذلك إلى التفلت والانفلات الأخلاقي.
تنازعت جيران ثنائية لا تلتقي أبداً برأيه على صعيد الواقع، فالموت والحياة والفقر والغنى، والشقاء والسعادة. وهو لم يحاول العثور على نقاط التلاقي بين هذين العنصرين من عناصر الحياة الملاتزمة، فالمرء لا يعرف طعم الحياة إلا بطعم الموت، ولا يعرف طعم الغنى إلا بتجره غصص الفقر، ولا يتذوق طعم السعادة إلا بعد ابتلاع لقم الشقاء. والسر في ذلك أنه لم يستوعب فكرة التكافل الاجتماعي الذي كفلته الفلسفة الاقتصادية الإسلامية القائمة على نظامي الصدقة والزكاة، فلو عثر على نقطة الاتفاق هذه لساد المجتمع الذي يدعو إليه جبران روح الحب والسلام بين الغني والفقير والسعادة والشقاء والحياة والموت، ولما وجد من يحمل عليه ويتهمه بالكفر والإلحاد، وهو النصراني المؤمن حقاً.