التأويل الحداثي للتراث - إبرهيم السكران
إن للتراث أهمية كبرى ستجعله في تقديرنا، قابلا لتعدد القراءات واسترسالها؛ وذلك لأنه حافل بالدقائق والمعاني وأمهات النصوص الغنية بقدرتها على تفجير قرائح القارئين والمجتهدين والمؤولين. ورغم هذا، فقد تجد بين عموم الدارسين ممن يتوهم أنه في التراث قد قيل كل شيء، وأن أمره أضحى مشاعا مكشوفا بدليل مئات الدراسات المتراكمة، بل تجد أيضا من تحذوه الرغبة في أن يقول جهرا أو رمزا أنه آخر القارئين، ليقطع الطريق على متابعة القراءة والنقد والتأويل، وهذا لعمري تنطع وغياب امتلاك طول نفس في القراءة، وتقزيم لحاسة النقد والسجال التي هي السماد الذي تتغذى منه الثقافة عموما.
هذا وتعتبر محاولة إبراهيم بن عمر السكران من خلال مؤلفه "التأويل الحداثي للتراث"، محاولة شاهقة؛ لأنها وقفت عند ركام من الدراسات التراثية يعتبرها صاحبنا عائبة ومجرد تراكم سلبي تجاه تراث نافع سيئ فهمه وسيئت قراءته، بناء على تصورات استشراقية مغالية في التمركز حول الذات ومغالية أيضا في النظر للآخر على أنه مجرد منتج للثقافة من الدرجة الثانية. وبالطبع نثمن ما أشار إليه السكران، فبناء على نقد آليتي التوفيد والتسييس التي استند عليها الحداثيون، تمكن من كشف جزء لابأس به من الفجوات والثغرات ومجمل البياضات التي تحملها.