الفصول و الغايات - أبي العلاء المعري
صاحب هذه الفصول و الغايات هو أبو العلا المصري؛ أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان التنوخي المعري، ينتهي نسبه إلى إلحاق بن قضاعة.
ولد أبو العلاء "بمعرة النعمان" من أعمال حلب سنة 363هـ، وأصابه جدري في أول السنة الرابعة من عمره فذهب ببصرة، وروي عنه أنه كان يقول: "لا أعرف من الألوان إلا الأحمر، لأني ألسبت في الجدري ثوباً صبغ بالعصفر، ولست أعقل غير ذلك.
وكان يحمد الله على العمى كما يحمد عنده بالعلم والفضل وولاية القضاء، قرأ في أول أمره على أبيه علمي النحو واللغة، ثم قرأ على غيره من فضلاء عصره، وأخذ الحديث عن أبيه وجدّه، وحدّث وُحدِّثَ وأخذ عنه الناس فنون العلم، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة أو اثتنى عشرة سنة، ولم يأخذ طول حياته أجراً على التعليم؛ بل أنه كان يصل الطلاب من قلبل ما في يده، كما كان يرى رزق الشعراء من الصِّلات حراماً، رحل إلى عواصم الشام والعراق ثم عاد إلى المعرّة وتوفي فيها سنة 449هـ وعمره ست وثمانون سنة، لم يأكل اللحم في خمس وأربعين سنة منها زهادة وورعاً.
ويذكر مؤرخون أن تآليفه بلغت نحو مائتي مجلد، وأن له من الشعر أكثر من مائة ألف بيت، وأن أكثر تآليفه فُقِدَ في حملة الصليبيين الأولى على الشام وسقوط المعرة في أيديهم سنة 492ـ وقد قتلوا أهلها المسلمين وأبادوا كل ما بها، أما وجود منها فكان قد خرج قبل وعرف بين الناس، أما هو موجود من مؤلفاته بين الأيدي الآن فهو يدلّ بحق على أنه كان خزانة علم لا تدرك غاية لما فيها.
ومن غرائب كتبه ونوادرها كتاب "الفصول والغايات" الذي نقلب صفحاته، وقد كان هذا الكتاب مفقوداً، حتى أن أكثر من ترجم لأبي العلاء لم يذكره، والغرض الذي حدا بأبي العلاء إلى إملاء هذا الكتاب، بثُّه للطلاب ما وعاه صدره من نوادر العلم وغرائبه، وقد تخير لذلك أحسن مظهر يُظْهِره فيه وهو "تمجيد الله والمواعظ" ليكون ذلك أقرب إلى النفوس وفيه مثوبة وقربى، ويقول بعض من أرّخه إنه بدأ هذا الكتاب في الشام، وأتمه بعد عودته من بغداد.
أما الكتاب من الناحية العلمية فإنه متعة الأدب، وأمنية العالم؛ فإنه ملأه بشتى العلوم من اللغة والأدب والعروض والنحو والصرف، والتاريخ والحديث والفقه والفلك وعلم النجوم... وغير ذلك مما لم يسبق لغيره جمعه بالطريقة التي سلكها، ذلك أنه يملي الفقرة على تلامذته ثم يختمها بالغاية، وهي عنده بمنزلة القافية من بيت الشعر، وقد تطول الفقرة أو تقصر، ثم يملي التفسير: فإذا انتهى من التفسير وأراد العودة إلى الإملاء قال: "رجع"، كأنه يريد نفسه، أو يريد رجع الإملاء.
والكتاب كله على هذا النسق، وما وصل من هذا الكتاب هو الجزء الأول، يبتدئ من أثناء حرف الهمزة وينتهي بحرف الخاء.
ويشير المحقق بأنه قام بالبحث عن باقي الكتاب في كل المظان فلم يجد له من أثر، ويخرج الكتاب في طبعته هذه سنة 1938م، وقد تم الإعتناء به من خلال عملية تحقيق علمي: حيث تم ضبط النص، ثم إغنائه بهامش شمل على تفسير غريب الألفاظ، وضبط الأبيات الشعرية، وبيان معانيها وعزوها إلى ناظميها.