فجر الضمير - جيمس هنري برستد
فى حياة الصياد فى عصر ماقبل التاريخ الذى كان يكافح بين ذوات الثدى المتوحشة الهائلة التى كانت تحيط به, بدأ يسمع همسا من عالم جديد كان ينبثق فجره فى باطنه, وكان هذا الهمس بمثابة بوق جديد يختلف عن همس ألم الجوع او الخوف الذى يشعر به الإنسان للمحافظة على كيانه, وإذ لم يكن يقتصر هذا البوق على تحريك إحساس واحد فحسب تاركا كل المشاعر الأخرى هادئة مطمئنة, بل حرك لأول مرة كل العوامل النفسية معا. فما هو المنبع الذى خرجت منه كل هذه الأصوات الباطنة, وكيف اكتسب تلك القوة الآمر فى حياة الإنسان الفردية, وكيف انها نهضت حتى أصبحت قوة راسخة مسيطرة فى المجتمع الإنسانى؟ لاشك أن ذلك كان تقدما عظيما وتغييرا أساسيا. ونحن نكرر هنا ان كل هذا التقدم كان رحلة اجتماعية تقع مراحلها الأخيرة فى متناول مدى ملاحظاتنا, لأنها حدثت فى العصر التاريخى أى فى العصر الذى ظهرت فيه الوثائق المدونة. وقد ساعدنا حل رموز اللغات الشرقية القديمة على قراءة ماوصل إلينا من السجلات المكتوبة فكشفت لنا عن فجر الضمير وعن الأطوار التى صار بها قوة اجتماعية وتمخضت لنا عن عصر الأخلاق, ذلك العصر الذى مازلنا نقف عند أول مرفأة فيه. والأرجح أن هذا التطور استغرق أمدا طويلا لايقل عند مليون سنة استطلاع الإنسان فى نهايه أن يبنى تلك الحياة الراقية التى بدأ يبرز منها عصر الخلاق.ولم يبلغ هذا الانتقال البطئ ذروته إلا بالأمس وإن كان الإنسان فى يومنا لايشعر حتى الآن بأنه دخل حديثا جدا فى مملكة جديدة لم يتعلم الآن كيفية الاستيلاء عليها.