التسامح بين الأديان من منظور الدبلوماسية الروحية - خالد التوزاني
يحاول هذا الكتاب عَبْرَ استدعاء العِرفانياتِ الدّينيةِ والأحداث التاريخية والمواقف الإنسانية، إثبات فكرة مفادها: أنَّ روحانيةَ الأديان تَمْلِكُ القدرةَ على زرع بذرة التَّسَامُح في النُّفوس، عبر خَلقِ فُرَصِ التَّواصُلِ الرُّوحي بين بني البَشَر وفرضِ احترام قَدَاسَة الإنسان، انطلاقاً من رؤيةٍ تتجاوزُ ظاهرَ الأديانِ إلى جوهرها الأوَّل وهو الإحسان إلى الخَلَق، والنَّظر إلى الآخر المُخَالِف باعتباره شَريكاً في الحَياة وليسَ مُنافِساً أو عَدُوّاً، وهذا معنى التَّسامح الذي نُنشده في هذه الدراسة المقترحة لجائزة الشيخ سيد المختار الكنتي للثقافة، حيثُ نحاول تقديم مُقترحاتٍ عمليَّةٍ تُسْهِمُ في نَقْلِ التسامح من التَّنظير إلى الممارسة، ونقل الحِوارِ الدِّينيّ مِنَ التَّعَالي إلى التَّآخِي، ومِنْ سُلْطَةِ الدَّليلِ والبُرهان إلى سُلطةِ المحَبَّة والعِرفان، بِمَا يُؤسِّسُ لتسامحٍ حقيقِيّ بينَ أهْلِ الأديان، وهذهِ الرُّؤيةُ نطلِقُ عليها "دِبلوماسية التسامح"، تَنْهَلُ مِن رُوحِ الدِّياناتِ منهجها القائم على تزكيةِ النُّفوسِ وتأليف القُلوب، وهي دِبلوماسيةٌ لا ترومُ الإقناع، أو دفع الآخر للتَّخَلِّي عَنْ مُعتقداتِهِ ومَواقِفِهِ، ولا حتَّى التَّبشير بنمطٍ مُعَيَّنٍ مِنَ التَّدَيُّن والسّلوك، بقدرِ ما تَسعى لتأكيدِ دَوْر التَّزكية في تنقيةِ العلاقاتِ الإنسانية مِنَ التَّوتُّر والقَلق ومِنْ سُلْطَةِ الذَّات ونوازِع الاسْتِعْلاء على الغَير أو اِدِّعاء امتلاك الحَقَّ أو المعرفة و التفوّق، وبذلك يمكن أن يُشَكِّلُ هذا النّمط من الدِّبلوماسية مدخلاً للوقايةِ مِنَ التَّطرُّف والعُنف، ببناءِ تسامح دينيّ وأخلاقي وسلوكي متين وعلى هُدى وبصيرة، يرى في الإنسان، أينما كان، وحيثما وُجد، بُنيان الله، لا يَجوزُ انتهاكُ حرمتِهِ أو الإساءَة إليه، بل المطلوب دوام الإحسان إليه.