موت الفوات - محمد الهجابي
".....
لم أذهب إلى العمل. هكذا، لم أذهب. ولم أسأل نفسي السبب. الظاهر أنّني لم أشأ أن أفتش عن ذريعةٍ أرفد بها موقفي. فكعادتي، تقريباً، كنت أفقت يوم البارحة. حلّقت لحيتي. أعددت فطوري. ارتديت لباسي؛ اللباس الذي شغلته أمس البارحة. غيّرت جوربي. تطيّبت، وتعطّرت. وإذ كنت أهمّ بفتح باب الشقّة، دهمتني رغبة بخلع لباسي، والدخول في المنامة من جديدٍ، والعودة إلى دفء الملاءة. أمرٌ غير معقول طبعاً. لكنّه حصل بالفعل.
لم أخبر الجريدة. أقصد لم أخبر إدارتها بشيءٍ. بل إنّ رئيس التحرير عينه هو الذي اتصل ظهر اليوم الموالي. قلت له إنّني مريضٌ. وكنت أكذب. في الواقع، كنت مريضاً على نحوٍ ما. قال: خذ لك إجازةً. وفي المساء، استغلت مجيء زميلين لأحمّلهما طلباً مكتوباً بمنحي عطلةً لمدّة عشرة أيام. عنوة كتبت الطلب. أذكر أنّني لم أضع طلباً من هذا النوع منذ ارتباطي بالجريدة. ثمّ إنّني لم أقدم على هذا السلوك، لكي أنتظر موافقةً قبليةً، ومكتوبة كذلك، حتّى أشرع في قضاء إجازةٍ، أنا الذي حدّدت مدّتها الزمنية. تاريخ بدايتها كما تاريخ نهايتها، فضلاً عن مكان قضائها. اتخذت قراري، وكفى...."