الإحسان - محمد حسان
عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ
وَسَأَلَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- النَّبِيَّ ﷺ عَن: الإِسْلَامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ
قَالَ جِبْرِيلُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»
الإِحْسَانُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي تَفْسِيرِهِ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»
يُشِيرُ إِلَى أَنَّ العَبْدَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهُوَ اسْتِحْضَارُ قُرْبِهِ، وَأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الخَشْيَةَ وَالخَوْفَ، وَالهَيْبَةَ وَالتَّعْظِيمَ.
كَمَا جَاءَ في روايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ-: «أَنْ تَخْشَى اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»
وَيُوجِبُ -أَيْضًا- النُّصْحَ فِي العِبَادَةِ، وَيُوجِبُ بَذْلَ الجُهْدِ فِي تَحْسِينِهَا، وَإِتْمَامِهَا، وَإِكْمَالِهَا
وَقَوْلُهُ ﷺ: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»: قِيلَ إِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْأَوَّلِ؛ فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا أُمِرَ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ فِي العِبَادَةِ، وَاسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ مِن عَبْدِهِ حَتَّى كَأَنَّ العَبْدَ يَرَاهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَيَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِإِيمَانِهِ بِأَنَّ اللهَ يَرَاهُ، وَيَطَّلِعُ عَلَى سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَبَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ
فَإِذَا حَقَّقَ هَذَا المَقَامَ؛ سَهُلَ عَلَيْهِ الانْتِقَالُ إِلَى المَقَامِ الثَّانِي، وَهُوَ: دَوَامُ التَّحْدِيقِ بِالبَصِيرَةِ إِلَى قُرْبِ اللهِ مِن عَبْدِهِ، وَمَعِيَّتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ
وَقِيلَ: بَلْ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَلْيَعْبُدِ اللهَ عَلَى أَنَّ اللهَ يَرَاهُ وَيَطَّلِعَ عَلَيْهِ، فَلْيَسْتَحِ مِنْ نَظَرِهِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اليَقِينِ: «اتَّقِ اللهَ أَنْ يَكُونَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ»