حرية الرأي - الأخضر بن زغدود العبيدي
لقد كانت مشروعية حرية إبداء الرأي والتعبير عنه، هذه القضية العويصة، مثار جدل جادٍّ ونقاش طويل في الفكر الإسلامي في عصور الإزدهار الحضاري، والتألق الفكري للأمة الإسلامية بين الفرق والمذاهب الإسلامية على إختلاف مشاربها.
وكان ذلك علامة واضحة على ما أتاحه الإسلام لإتباعه من حرية الرأي وحتى في التعبير عنه، وقد أكد على ذلك محمد سعيد رمضان البوطي بقوله: "وبالجملة فإن هياج تلك الفرق المتكاثرة إنما كان بسبب وفرة مناخ الحرية، وإمكانية التعبير المعلن عن الفكرة والعقيدة... ثم إن خمود ذلك الهياج وذوبان تلك الفرق، إنما كان بسبب قيام علماء المسلمين بواجب الدعوة والحوار والثبات على التنفيذ الصادق والدقيق لأمر الله تعالى القائل: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾... [النحل / 125]، ولم يكن نتيجة لأي قمع أو خنق لأصوات تلك الفرق أن تعبر عن رأيها او تدلي بحجتها".
هذا وإن المتصفح للقرآن الكريم يلاحظ أنه قد وردت فيه آيات كثيرة، تؤكد ضمان القرآن الكريم لحرية الفكر وإبداء الرأي والتعبير عنه بكل صراحة ووضوح، وذلك لإقرار الحق والنقد البناء، ودفع الباطل،/ وقطع دابر الظلم وكل أشكال الهيمنة والتسلط والإستبعاد، وذلك عبر ثلاث قنوات رئيسية: 1-حرية الجدل والحوار في أمور الدين والعقيدة، حيث تبرز حرية الرأي والتعبير واضحة المعالم في مسألة الجدل، وهو شدّة الخصومة واللدد فيه والجدل مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة، القناة الثانية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد بنى الإسلام مجتمعاً مثالياً قائماً على إحترام كل فرد في الدولة الإسلامية، ودعا عباده المؤمنين إلى ضرورة التناصح فيما بينهم وبين من يسوسهم القناة الثالثة: الشورى وإسداد النصيحة: لأن اصطلح الغرب على مصطلح "الديموقراطية" كقناة من قنوات الحوار وتبادل الآراء والتشاور في القضايا الرئيسة التي تعنى شؤون الحكم وأمور الدولة، فإن الشورى هي القناة الرئيسة لتبادل الرأي والتداول على الحكم والسلطة في المجتمع الإسلامي.